بدعة الامتحان في العقائد
سأل رجل الحسن البصري رحمه الله قال: يا أبا سعيد أنت مؤمن؟ وهذا كان حين كثر الخلاف في هذه المسألة وتشعب حتى أصبح الإنسان يمتحن ليرى ماذا يقول، وهذا من سوء الأدب، وهذه ظاهرة تتكرر في كل زمان ومكان إلا ما رحم الله، فتجد من الناس من يكثر الأسئلة ويمتحن بها الناس، ولهذا يقول الشعبي رحمه الله: [ لو أن القرآن نزل في زماننا هذا لكان عامته يسألونك ] أي لكان أكثر شيء في القرآن يسألونك يسألونك، لكنها في القرآن في بضعة مواضع فقط؛ لأن الناس في هذا الزمان يسألون عن ما ينفعهم وما لا ينفعهم، وتجد طالباً للعلم لا يفقه كثيراً من أمور الدين، ولا من أحكام الصلاة، ولا من قضايا العقيدة المهمة فسمع الناس مثلاً يتكلمون في مسألة فيأتي ليستفيد ثم يقول: بلغني أن الشيخ فلاناً له رأي في هذا، وهكذا، ثم يفاضل بين هذا وهذا، فلا يستفيد شيئاً ولا يتعلم، ولذلك لا تسأل إلا عن الأساسيات التي تهمك جداً، ولا تخض في أمور أعمق، وتفاضل بين هذا وهذا؛ لأن هذا من حب الاستطلاع والطفل وسوء الأدب مع المسئول من العلماء، وما كان الصحابة رضي الله تعالى عنهم والتابعون يعملون هذا، فهذا الرجل الذي يسأل الحسن يريد أن يعلم هل هو مع الخوارج أم مع المرجئة ؛ لأنه إن سكت قالوا: سكت فهو من أهل البدع، لا يريد أن يقول الحق، وإن قال كذا بعد أن يستنطقه في كل مرة فهم شيئاً آخر وهذه بلوى ابتلي بها كثير من الشباب في هذه الأيام، فأصبح يستنطق ويسأل ويبحث عن كلام الناس، وما يرى الناس في فلان وفي القضية الفلانية، وهو يحتاج إلى أمر من أمور دينه الضرورية له التي لا يعلمها، وهذه بلوى عظيمة نعوذ بالله من هذه الفتنة. جاء الرجل قال: [يا أبا سعيد أأنت مؤمن؟ قال له: إن كنت تريد الذين قال الله تبارك وتعالى فيهم: (( إِنَّمَا الْمُؤْمِنُونَ الَّذِينَ إِذَا ذُكِرَ اللَّهُ وَجِلَتْ قُلُوبُهُمْ وَإِذَا تُلِيَتْ عَلَيْهِمْ آياتُهُ زَادَتْهُمْ إِيمَانًا وَعَلَى رَبِّهِمْ يَتَوَكَّلُونَ ))[الأنفال:2] فلست منهم، وإن كنت تريد الذين قال الله تعالى فيهم: (( وَآخَرُونَ اعْتَرَفُوا بِذُنُوبِهِمْ خَلَطُوا عَمَلًا صَالِحًا وَآخَرَ سَيِّئًا عَسَى اللَّهُ أَنْ يَتُوبَ عَلَيْهِمْ ))[التوبة:102] فأرجو أن أكون منهم]. فنراه لم يخرج نفسه من الدين ولم يقل من الكلام ما فيه احتمالات، ولا قال: أنا مؤمن حقاً فزكى نفسه، وهذا من تواضعه رحمه الله، لكن حتى يعلم غيره من الذين خلطوا، فالقرآن بين مراتب الناس، فمنهم السابقون الأولون، ومنهم الذين خلطوا عملاً صالحاً وآخر سيئاً، ومنهم مرجون لأمر الله، ومنهم الذين مردوا على النفاق فلا خير فيهم -نسأل الله العفو والعافية. قال: (سمعت الأوزاعي يقول: [قال تعالى: (( فَإِنْ تَابُوا وَأَقَامُوا الصَّلاةَ وَآتَوُا الزَّكَاةَ فَإِخْوَانُكُمْ فِي الدِّينِ ))[التوبة:11] والإيمان بالله باللسان، والتصديق به العمل]) والأوزاعي رحمه الله له كلام عظيم سيأتي، وكان إمام أهل الشام في زمانه، وفتنة الإرجاء والخروج وهذه الضلالات إنما نشأت في العراق ، فـالأوزاعي يقول كما روى اللالكائي: (وقد كان أهل الشام في عافية من هذه الفتنة -يعني الإرجاء- حتى قدم بها بعض أهل العراق) فعندما قدموا كان لا بد أن يبين العالم الحق في هذا، فأكثر رحمه الله من بيان حقيقة الإيمان وأنه لا بد فيه من العمل، ومما ذكره هذه الآية، وهي قول الله تبارك وتعالى: ((فَإِنْ تَابُوا))[التوبة:11] يعني: المشركين الذين ذكرهم في أول سورة براءة (فَإِنْ تَابُوا) أي: آمنوا وأقلعوا عن الكفر، والتوبة هنا من الكفر والشرك ((وَأَقَامُوا الصَّلاةَ وَآتَوُا الزَّكَاةَ فَإِخْوَانُكُمْ فِي الدِّينِ))[التوبة:11].